في ذكرى رحيل الفنان الكبير / ناظم الغزالي

   

      في ذكرى رحيل الفنان الكبير / ناظم الغزالي

  

ناظم الغزالي، الذي رددت الاجيال صدى اغنياته في سماء بلاده والعالم العربي اجمع.. فالغزالي ذو صوت مؤثر وكلام معبر، يثير الشجن ان تأوه، ويزرع النشوة ان تفوه. يحلق بالسامع إلى اجواء عالية من الانتشاء والخيال كلما صدح صوته بالمقامات وانسجم مع الشعر بالموالات..

فهو شاب وسيم بطلعته، انيق بملبسه، عفيف النفس، رقيق الكلمة، حلو الابتسامة، لا يرد طالبه ولا يغتاب صاحبه، قليل الكلام كثير التأمل.. يزور زملاءه دائما، حاملا لهم الهدايا، ويتفقد مرضاهم كلما سنحت له الفرصة..

             

جم الاحترام لهم، وبالاخص لاستاذه الكبير مطرب العراق الأول خالد الذكر محمد القبنجي..

 وكثير الاحترام والاهتمام بالفرقة الموسيقية التي ترافقه في العزف اثناء الغناء، يناديهم دائما (يا اساتذتي)، ويعتبر نفسه احد طلابهم.
يظهر الخجل واضحا على وجهه عندما تتحدث معه سيدة أو فتاة خلال الحفلات العامة والخاصة. له القدرة الفنية في الغناء والتحكم في الاداء والوقوف بشجاعة امام الجمهور سواء على المسرح في الحفلات او في الحفلات الخاصة. لا يخلو مجلسه من الادباء والشعراء والفنانين، لذا استقطب حب الجماهير العربية له..
ناظم الغزالي ولد من عائلة فقيرة.. اب كادح، وام كفيفة البصر، تكفله عمه وجيرانه.. اكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة ودخل معهد الفنون الجميلة قسم المسرح باشراف الفنان الكبير الراحل حقي الشبلي، الذي احتضنه خلال دراسته في المعهد، لما رأى فيه من قدرة وطاقة في مجال التمثيل. غير ان الفنان ناظم الغزالي لم يستمر في دراسته بمعهد الفنون، وذلك لضيق ــــ ذات اليد ــــ فطرق باب الوظيفة وعين مراقبا في مشروع الطحين بأمانة العاصمة في اوائل الاربعينيات.
كان ناظم الغزالي مستمعا جيدا إلى جميع فنون الغناء العربي، ولاسيما في فترة الاربعينيات والخمسينيات، اذ كانت هذه الفترة زاخرة بالاصوات والاغاني العربية الجميلة لكبار المطربين والمطربات امثال سيدة الغناء العربي أم كلثوم والموسيقار محمد عبدالوهاب والموسيقار فريد الاطرش والمطربة اسمهان والمطربة ليلى مراد والمطربة نجاة علي.. وغيرهم.

                          
وحين عاد ناظم الغزالي إلى معهد الفنون الجميلة لاكمال دراسته اخذ بيده ثانية عميد المسرح العراقي حقي الشبلي، الذي ضمه إلى فرقة (الزبانية) للتمثيل واشركه في المسرحيات الدرامية والكوميدية، ومنها مسرحية (مجنون ليلى) لأمير الشعراء احمد شوقي. وقد لحن له حقي الشبلي اول اغنية، وهي عبارة عن مقطوعة يؤديها في المسرحية بعنوان (هلا هلا)، وهي من مقام الهزام.
لم يستمر ناظم الغزالي في مسيرته المسرحية مع فرقة ـــ الزبانية ـــ طويلا، اذ سرعان ما غير شراع سفينته لترسو في ميناء الغناء وبعد اغنيته الأولى (هلا هلا) التي دخل بها إلى الاذاعة، اردفها باغنية ثانية لحنها له الفنان وديع خونده، كان لها الصدى الجميل كسابقتها، ويقول مطلعها:
وين الكه الراح مني وأنا المضيع ذهب

راحت السله من إيدي وراح وياها العنب

ومن خلال هاتين الاغنيتين الجميلتين سلطت اضواء الشهرة على المطرب ناظم الغزالي وبين عامي 1947 ـ ــ 1948 دخل ضمن اعضاء فرقة الموشحات التي يديرها ويشرف عليها الموسيقار الشيخ علي الدرويش والتي تضم بعض المطربات والمطربين.
وفي صيف عام 1948 كانت أول سفرة لناظم الغزالي خارج العراق مع الوفد الفني للترفيه عن الجيش العراقي المتواجد في أرض فلسطين للدفاع عنها ضد العدو الصهيوني المحتل..
وكان لهذا المطرب المتألق في فلسطين صدى في دول عربية اخرى مثل سوريا ولبنان وسعت من شهرته ومكانته على الساحة العربية..

      
وعند عودته إلى بغداد ثابر الفنان ناظم الغزالي في تعميق ثقافته الموسيقية بالدراسة تارة والاستماع تارة أخرى.. وهكذا فتح ناظم الغزالي صفحة جديدة مشرقة في حياته الغنائية فتتلمذ على يد استاذه محمد القبنجي فيما يخص المقام العراقي واصول غنائه وتتلمذ على يد الموسيقار روحي الخماش في دراسة العود، وعلى يد جميل سليم دراسة (الصولفيج) وتعلم النوطة الموسيقية وتدوين ما امكن تدوينه من الاغاني التراثية.

         
ولفرط عشقه لصوت المطربة سليمة مراد التي كانت تمتلك صوتا ساحرا وقابلية هائلة في اداء الاغاني التراثية، اقترن بها الفنان ناظم الغزالي ومن خلال زوجته سليمة مراد استطاع التعرف على الطبقة الارستقراطية في ذلك الوقت وعشاق الحفلات والغناء.. فكان الثنائي الغنائي المحبوب والمتألق دائما في جميع الحفلات العامة والخاصة واصبح بيتها صالونا ادبيا يؤمه الشعراء والادباء والفنانون.

     
في منتصف الخمسينيات عمدت شركة (جقماقجي) إلى تسجيل اسطوانات لكبار المطربين والمطربات العراقيين وكان على رأس القائمة المطرب ناظم الغزالي فتم الاتفاق بينه وبين الشركة.. وهنا لابد من الاشارة إلى الذكاء العالي الذي كان الفنان ناظم الغزالي يتمتع به من خلال اختياره الدقيق في الاستعانة بالموسيقيين الموهوبين وانتدابه للعازفين المهرة في فرقته الموسيقية بالاضافة إلى فرقة الكورس المنسجمة الاصوات وتعامله مع ملحنين وشعراء يمتلكون آفاقا رحبة في الابداع والتجديد وما ان ظهرت الوجبة الاولى من هذه الاسطوانات حتى تلقفتها اسماع المعجبين بشوق وغبطة ومن هذه الاغاني (طالعة من بيت ابوها) و(ماريده الغلوبي) و(احبك) و(فوك النخل فوك) و(يم العيون السود).. وغيرها من الاغاني التراثية الملحنة من قبل الفنان القدير ناظم نعيم ومن نظم الشاعر المجدد جبوري النجار والتوزيع الموسيقي لهذه الاغاني للاستاذ الموسيقار جميل بشير..

وهكذا اخذ سطوع هذا النجم يسطع في سماء الغناء ويزداد توهجا يوما بعد يوم.. حتى ملأ الآفاق العربية او بلغ اسماع عمالقة الغناء العربي الذين اشادوا بقدرته الغنائية وجمالية صوته وحسن ادائه مما حفز موسيقار الاجيال محمد عبدالوهاب ان يبدي رغبته في التلحين للمطرب ناظم الغزالي ويطلب من شركة -كايرفون - ان تسجل بعض اغاني ناظم الغزالي على ان يضع محمد عبدالوهاب الاطار الموسيقي لهذه الاغاني..

وقد نقل هذه الرغبة الموسيقار سالم حسين المقيم في القاهرة آنذاك إلى الفنان ناظم الغزالي وكانت فرحته لا توصف بهذا الخبر.. وقد تم الاتفاق على ذلك صيف 1961..

       
كان تلفزيون بغداد في بداياته يفتقر إلى استديو منتظم وانارة كافية وديكورات واكسسوارات وأجهزة متطورة يحتاجها كل استديو تلفزيوني.. كان الصرف المادي للفنانين العاملين فيه قليلا جدا.. فكانت الحفلات الغنائية تظهر كما هي بدون تزويق او زينة او ديكور يجلب النظر.. غير ان المطرب ناظم الغزالي كان يستعد لحفلاته الاسبوعية علاوة على استعداده فنيا وموسيقيا وغنائيا.. كان يذهب إلى الأسواق ليشتري على حسابه الخاص اللباس و(الهندام) الانيق ويوحد الزي الذي يرافقه في العزف ويساهم في اعداد الديكور وجلب اشرطة الزينة والزهور ليشرف على وضعها مع المخرج التلفزيوني لحفلته الغنائية.. اما اجور الحفلة فلا تسد عشر ما ينفقه على حفلته.. وماتنطوي عليه نفسه من رهافة حس وسخاء جعله يوزع الهدايا على من يعملون معه من عازفين ومخرجين ومهندسين وعاملين سواء في الاذاعة أو التلفزيون.

        
وديع الصافي يخشى ناظم الغزالي

وفي الأشهر الأولى من عام 1963 تلقى نظام ناظم الغزالي دعوة من وزارة الإعلام في الكويت على ان يقوم باحياء حفلات غنائية هناك مع مجموعة من نجوم الغناء العربي آنذاك فاستعد استعدادا كبيرا من الناحية الفنية والاغاني وتهيئة الشعر والمقدمات الموسيقية، وصحبه من العازفين كل من: حسين عبدالله، ايقاع، وخضر الياس ـــ عازف الناي، وناظم نعيم ـــ كمان، وسالم حسين ـــ قانون ـــ وانضم إلى هؤلاء عازفون من فرقة الاذاعة الكويتية.

وفي الليلة الأولى من الاحتفال كان موعد ظهور المطرب ناظم الغزالي في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، واستقبل الجمهور ناظم الغزالي بترحاب وحماس كبيرين ورغم التزام المطرب ناظم الغزالي بالوقت المحدد له الا ان الجماهير المتعطشة لغنائه تطلب المزيد من الوقت وعند مغادرة المسرح غادر اغلب الجمهور قاعة الاحتفال الذي اقيم على مسرح سينما الاندلس ولم يبق في القاعة الا نفر قليل من محبي غناء المطربة نجاة الصغيرة والمطرب الكبير وديع الصافي وغيرهما من عمالقة الغناء العربي.

وفي ظهر اليوم الثاني التقى المطرب الكبير وديع الصافي بسالم حسين عازف القانون ورئيس الفرقة الموسيقية المصاحبة للفنان ناظم الغزالي وطلب منه ان يؤجل ناظم الغزالي وصلته الغنائية لتكون ختام الحفل!!.

وما احل المساء وبدأت الحفلة وتعدى الوقت منتصف الليل اخذت الجماهير تنادي بصوت عال ناظم الغزالي مما حمل عازف القانون الفنان سالم حسين ان يظهر على المسرح ويطمئن الجمهور بأن المطرب ناظم الغزالي سيأخذ دوره بعد الفقرة المقبلة ليتسنى للجمهور الحاضر ان يستمتع بصوته اطول فترة ممكنة.. وهنا هدأت ثورة الحاضرين.. وما ان حان وقت المطرب ناظم الغزالي حتى دوت القاعة بالتصفيق والتشوق الحار لسماعه.. واستمر ناظم الغزالي بالغناء والجماهير تطلب المزيد حتى انبلاج الصباح.. لما رأت وزارة الإعلام تعلق الجماهير ناظم الغزالي طلب منه وزير الإعلام آنذاك ان يمكث في الكويت لتسجيل بعض اغانيه ومقاماته للاذاعة والتلفزيون واستغرق ذلك عشرين يوما.. وفي هذه الاثناء جاء صاحب فندق (طانيوس عاليه) في لبنان المتواجد في الكويت طالبا منه التعاقد لاحياء عدة حفلات خلال الصيف في لبنان.. وقد تكللت حفلاته بالنجاح والشهرة الواسعة المدى حتى اطلق على ذلك الموسم السياحي بموسم ناظم الغزالي وكان المستمعون يخرجون إلى الشارع وهم يرددون اغاني ناظم الغزالي.

            

هكاذ كان ناظم الغزالي في لبنان كما هو في الكويت أو اي قطر عربي آخر.. وبعد ان غادر لبنان ذهب بجولة فنية اخيرة إلى اوروبا بسيارته الخاصة ترافقه زوجته المطربة الكبيرة سليمة مراد.. فكانت الدعوات والحفلات في كل عاصمة أوروبية.. وكانت الاذاعات العربية المتواجدة في أوروبا تسعى لاجراء المقابلات واللقاءات الاذاعية. وبعد عودة الفنان ناظم الغزالي من أوروبا مكث في لبنان بعض الوقت للراحة والاستجمام، ونزل في فندق ـــ نورماندي ـــ بالزيتونة على البحر في بيروت.. وفضلت زوجته سليمة مراد المجيء إلى بغداد بالطائرة لانها تشعر بتعب شديد.

  

وفي صبيحة يوم 20/10/1963 الساعة الخامسة والنصف صباحاً تحرك ناظم الغزالي وهو يقود سيارته بصحبة سالم حسين فوصل إلى بغداد الساعة الثانية بعد منتصف الليل، اذ انه لا يميل إلى السرعة في قيادة السيارة.. وذهب كل واحد منهما إلى داره.. وفي الساعة العاشرة والنصف من يوم 21/10/63 توقف نبض ناظم الغزالي ووفاه الاجل وسط دهشة واستغراب جمهوره ومحبيه الذين شيعوه بعيون تقطر اسى واستفهاما لرحيله المفاجىء!! وهو لم يتجاوز الـــ (42) سنة من عمره وكان في قمة نضجه وفي كامل حيويته ونشاطه.. وهو يرى بام عينيه نجاحه الذي ينتشر في نفوس محبيه وعشاقه.. (رحم الله الغزالي).

http://www.youtube.com/watch?v=_l53mwtgwrQ&feature=related

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

781 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع